اضطراب هوس الكذب (Mythomania): دليل شامل

بواسطة: omnia - تم مراجعته طبياً: احمد الراجي

رجل يُعاني من اضطراب هوس الكذب
نظرة عامة

اضطراب هوس الكذب (Mythomania) ليست عادة سيئة أو مبالغة في الحديث، بل هو حالة نفسية معقدة تدفع صاحبها إلى الكذب المتكرر دون دافع واضح أو مكاسب مباشرة، ما بين الرغبة في لفت الانتباه، والهروب من الواقع، والبحث عن هوية بديلة، يعيش المصاب في دائرة من الأكاذيب التي قد تبدو حقيقية حتى له. تشير بعض الدراسات إلى أن اضطراب هوس الكذب يبدأ غالبًا في سن المراهقة، ويقدر متوسط عمر ظهوره بحوالي 16 عامًا، خصوصًا بين المراهقين؛ حيث يصاب به نحو 1 من كل 1000 منهم، فكيف نفهم هذا الاضطراب؟ وما أسبابه؟ وهل يمكن علاجه؟

🧠 📊التعريف ومدى الانتشار

اضطراب الهوس الكذبي (Mythomania) هو اضطراب نفسي سلوكي يتمثل في الميل المزمن إلى الكذب دون وجود دافع منطقي أو مكسب واضح، يتحول الكذب لدى المصاب إلى سلوك قهري يسيطر على تفكيره وتواصله، بحيث يختلق القصص بشكل متكرر، حتى في مواقف لا تستدعي ذلك. 

🧠 التعريف العلمي
الأبحاث النفسية تشير إلى أن الكذب المتكرر القهري، المعروف اصطلاحًا في الأدبيات العلمية باسم Pseudologia Fantastica أو Pathological Lying، هو سلوك يتميز بميل مزمن للكذب دون سبب واضح.
المصدر: منصة الطب النفسي الدولي (MDPI).

لا يكون الكذب دائمًا بدافع التلاعب أو المصلحة الشخصية، بل يمنح المريض شعورًا مؤقتًا بالراحة النفسية أو الهروب من الواقع، ويعرف هذا الاضطراب علميًا أيضًا باسم Pseudologia Fantastica، أي "الخيال المفرط"، نظرًا إلى طبيعة القصص التي يبتكرها المصاب والتي تتسم بالمبالغة أو الانفصال عن الواقع.

مدى الانتشار

يعد اضطراب هوس الكذب مرض نفسي فهو حالة نادرة نسبيًا، وتظهر الدراسات أن معدل انتشاره بين المراهقين الجانحين يبلغ حوالي 1%، غالبًا ما يبدأ في سن 16 عامًا، بينما يكتشف في المتوسط عند عمر 22 عامًا.

يتمتع المصابون بمعدل ذكاء لفظي أعلى من الأدائي من الجهة السريرية، وغالبًا ما يعتبر ضمن المتوسط أو أقل، وتشير البيانات إلى أن 40% منهم لديهم تاريخ من اضطرابات عصبية مركزية مثل الصرع أو فرط الحركة وتشتت الانتباه.

اجتماعيًا نشأ 30% من المصابين في بيئات أسرية غير مستقرة أو تضم أفرادًا يعانون من اضطرابات عقلية؛ مما يسهم في ترسيخ سلوك الكذب كآلية دفاعية، كما أن الكذب المرضي في هذه الحالات لا يقتصر على الأكاذيب البسيطة، بل يتسم بالتفصيل والمبالغة، ويستخدم كوسيلة للهروب من الواقع أو جذب الانتباه.

معلومة طبية

وتقول الدكتورة رحاب حسنين أن هوس الكذب لا ينبع من رغبة في الخداع، بل غالبًا ما يكون محاولة يائسة للهروب من واقع مؤلم أو غير محتمل.

🧬 رحلة داخل عقل المريض

داخل عقل مريض اضطراب هوس الكذب (المعروف أيضًا بالميثومانيا أو الكذب المرضي)، تدور دوامة لا تهدأ من الأكاذيب المتكررة، التي لا تبنى على مصلحة أو ضرورة، بل تنبع من حاجة داخلية لا يمكن كبحها. 
الأكاذيب غالبًا ما تكون متقنة ومفصلة، إلى حد يصعب معه على المريض نفسه التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مختلق وراء هذه القصص المتشابكة، يقبع توتر داخلي وقلق اجتماعي، يدفع المريض إلى تزييف الواقع لتحسين صورته الذاتية أو لملء فراغ عاطفي. 
يرتبط هذا الاضطراب في بعض الأحيان بجروح نفسية قديمة أو باضطرابات شخصية أعمق، تجعل من الكذب وسيلة للبقاء، لا للخداع.

header banner

بسرية تامة إحجز برنامج علاج اضطراب هوس الكذب لتستعيد حياتك من جديد

أُكتب لنا حكايتك مع هوس الكذب والأعراض التي تُعاني منها

ما هي الشخصية الوسواسية

اضطراب هوس الكذب

👁️ كيف يرى المريض نفسه والآخرين؟

في اضطراب هوس الكذب (الميثومانيا)، تتشوه نظرة المريض إلى ذاته والآخرين بفعل سلوك الكذب القهري، فهو لا يرى الكذب كخطأ، بل كأداة للسيطرة والتأثير؛ مما ينعكس على علاقاته وتفاعلاته اليومية:



 

رؤية المريض لنفسه 

يميل المصاب إلى تضخيم صورته الذاتية، ويبرّر سلوكه باعتباره دليلا على الذكاء والتميز:

  • يعتبر نفسه ذكيًا حيث يرى أن الكذب يظهر قدرته على التلاعب والإقناع، ولا يشعر بالندم تجاهه.
  • مبالغ في تصوير نفسه يختلق قصصًا تصوره كبطل أو صاحب مكانة عالية أو قدرات خارقة.
  • يرى الكذب سلوكًا طبيعيًا أي يتعامل مع الكذب كأمر عادي لا يستدعي الشعور بالذنب، حتى في المواقف البسيطة.


 

رؤية الآخرين للمصاب 

تتسم نظرته للآخرين بالاستغلال أو الحذر، ويصعب عليه بناء علاقات قائمة على الثقة:

  • كائنات قابلة للخداع يعتبرهم أدوات لتحقيق أهدافه، سواء كانت اجتماعية أو مادية.
  • ضحايا أو جمهور يراهم أشبه بالمستمعين لقصصه الدرامية، ويحرص على ابهارهم.
  • مصادر محتملة للحكم يخشى انتقاداتهم، فيلجأ للكذب لإخفاء عيوبه أو تبرير سلوكياته.
  • أشخاص لا يعتمد عليهم مع الوقت يفقد القدرة على الثقة بالآخرين، مما يضعف علاقاته الاجتماعية.

تنبيه

امصاب اضطراب هوس الكذب لا يختلق الأكاذيب لإيذاء الآخرين، بل لأنه لا يحتمل مواجهة ذاته كما هي.

⚙️ الأسباب والعوامل المؤدية للإصابة

لا ينشأ اضطراب هوس الكذب من فراغ، بل يتداخل فيه مزيج من العوامل النفسية والبيولوجية والاجتماعية التي تشكل بيئة خصبة لنمو هذا السلوك القهري:

  • الصدمات النفسية مثل التعرض للعنف الجسدي أو النفسي، والتحرش الجنسي أو الإهمال العاطفي، وكذلك فقدان أحد الوالدين أو غياب الدعم الأسري.
  • اضطرابات الشخصية اضطراب الشخصية النرجسية، اضطراب الشخصية الحدية، أو الشخصية المعادية للمجتمع.
  • التأثيرات النفسية التي تتمثل في انخفاض تقدير الذات والشعور بالدونية، والرغبة في لفت الانتباه أو إخفاء العيوب الشخصية، كذلك القلق الاجتماعي والخوف من الحكم أو الرفض.
  • العوامل البيولوجية اختلال توازن النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين، وجود تاريخ عائلي لاضطرابات نفسية مشابهة، إصابات أو أمراض في الدماغ تؤثر على التحكم بالسلوك.

⚠️ الأعراض والعلامات المميزة

تتجلى أعراض هذا الاضطراب في سلوكيات متكررة يصعب على المصاب التحكم بها، وتنعكس على علاقاته ونظرته للواقع:

  • الكذب المتكرر دون مبرر حتى في المواقف البسيطة التي لا تستدعي الكذب، يظهر السلوك بشكل قهري.
  • المبالغة في تصوير الذات يضخم إنجازاته أو يختلق صفات غير واقعية ليبدو أكثر أهمية أو إثارة.
  • قصص متغيرة التفاصيل يروي أحداثًا درامية تتبدل تفاصيلها مع الوقت، مما يُضعف مصداقيتها.
  • التمسك بالأكاذيب رغم انكشافها يدافع بشدة عن رواياته، حتى بعد إثبات عدم صحتها.
  • خلط بين الواقع والخيال يفقد أحيانًا القدرة على التمييز بين ما حدث فعليًا وما اختلقه.
  • توتر في العلاقات الاجتماعية يؤدي فقدان الثقة إلى اضطرابات في التواصل والعلاقات الشخصية.

معلومة طبية

وتؤكد الدكتورة ريهام القاسم أستاذ الطب النفسي أن الكاذب القهري لا يسعى إلى خداع الآخرين، بل يحاول تصديق نفسه ولو للحظة، اضطراب النفس القهري سلوكي يعرف بميثومانيا، يتمثل في الكذب المتكرر دون دافع منطقي.

🩺 رأي الطبيب النفسي

ليس كل كذب مرض، لكن حين يصبح الكذب وسيلة لا شعورية للهروب من الذات، فهنا تبدأ الميثومانيا:

  • توضح الدكتورة رحاب حسنين، أخصائية الطب النفسي الميثومانيا ليست كذب متعمد، بل آلية دفاعية تنشأ من محاولة يائسة لبناء ذات مكسورة.
  • وتضيف الدكتورة رشا السعيد، استشارية الطب النفسي أن المشكلة لا تكمن في الكذب نفسه، بل في الحاجة النفسية التي تغذيه الحاجة العميقة إلى القبول والانتماء.

💭 تجربة المريض من الداخل

كنت أكذب دون تفكير أختلق قصصًا عن عمل لم أمارسه، وعن نجاحات لم أحققها في البداية، ظننت الأمر مجرد مزاح، لكن شيئًا فشيئًا بدأت أصدق تلك الأكاذيب وكأنها جزء من حياتي الناس من حولي بدأوا يبتعدون، وأنا غرقت في دوامة بين الحقيقة والخيال، لم أعد أميز بين ما عشته فعلاً وما تخيلته، حين لجأت إلى الطبيب النفسي، أدركت أن الكذب لم يكن وسيلة للخداع، بل كان درعًا أختبئ خلفه، أخفي به ضعفي، و أحمي به نفسي من واقعٍ لم احتمله.

💊 العلاج باختصار

يعتمد علاج اضطراب هوس الكذب خاصة لدى البالغين، على مزيج من الدعم النفسي طويل المدى والعلاج السلوكي المعرفي، إلى جانب تدخلات مساندة عند الحاجة:

  • العلاج السلوكي المعرفي (CBT) يركز على فهم دوافع الكذب، إعادة بناء صورة الذات، وتعزيز مهارات التواصل الصادق والثقة بالنفس.
  • العلاج الدوائي لا توجد أدوية مخصصة، لكن تستخدم مضادات القلق أو الاكتئاب لتخفيف الأعراض المصاحبة.
  • العلاج التكميلي يشمل مجموعات الدعم، وتمارين يومية مثل كتابة الحقائق الشخصية لتعزيز الوعي الذاتي.

💬 التعامل مع المريض أو الاضطراب

 يتطلب التعامل مع المصاب بهوس الكذب وعيًا نفسيًا واحتواءً عاطفيًا، السلوك الظاهر ليس سوى انعكاس لمعاناة داخلية أعمق:

  • الاستعانة بتدخل متخصص من الضروري مراجعة أخصائي نفسي لتقييم الحالة بدقة، وفهم الجذور النفسية التي تشمل اضطرابات في الشخصية أو شعورًا مزمنًا بالدونية.
  • العلاج النفسي السلوكي يعد العلاج السلوكي المعرفي (CBT) حجر الأساس، حيث يساعد المريض على التعرف إلى دوافعه الداخلية، وتعلم استراتيجيات بديلة للتعبير عن الذات بصدق.
  • الهدوء في المواجهة تجنب الانفعال أو الاتهام المباشر، فالكذب القهري ليس تحديًا شخصيًا، بل عرض لاضطراب يحتاج إلى تفهّم لا إلى صدام.
  • وضع حدود واضحة لا يعني التعاطف التساهل، بل يجب رسم حدود السلوكيات المؤذية، مع الحفاظ على الدعم العاطفي لتوجيه المريض نحو التغيير.
  • رعاية الذات للمحيطين يجب على الأسرة والمقربين ألا يهملوا صحتهم النفسية، والدعم الحقيقي يبدأ من التوازن الداخلي، لا من التضحية المستنزفة.

🚨 مضاعفات الاضطراب إن لم يُعالج

يمكن أن يؤثر هذا الاضطراب بشكل واسع على حياة المصاب، نفسيًا واجتماعيًا ومهنيًا:

  • فقدان الثقة والعزلة الاجتماعية.
  • تدهور العلاقات الشخصية والمهنية.
  • صعوبة الحفاظ على العمل أو الدراسة.
  • مشاكل قانونية محتملة نتيجة سلوكيات غير مسؤولة.
  • زيادة القلق والتوتر والاكتئاب.
  • تشوه في الهوية الشخصية وانفصال عن الواقع.
  • سلوكيات تلاعب تضعف الاندماج المجتمعي.

هل يؤثر الاضطراب على الهوية الشخصية؟

نعم، قد يُسبب اضطرابًا في الإحساس بالذات وتشوهًا في الهوية، حيث يشعر المصاب بأنه منفصل عن واقعه أو عن مشاعره، وهذا يخلق حالة من الارتباك الداخلي تدفعه لسلوكيات غير مفهومة للآخرين.

الخاتمة

اضطراب هوس الكذب ليس ضعفًا أخلاقيًا، بل صراع داخلي مع الذات والواقع المصاب لا يسعى إلى الخداع، بل يحاول ترميم صورة مكسورة في داخله، ولو بالكلمات، كما أن التعامل مع هذا الاضطراب يتطلب وعيًا، واحتواءً، وتدخلاً نفسيًا متخصصًا؛ فحين يشعر المريض بأنه محبوب وهو صادق، تبدأ أولى خطوات الشفاء.

ما رأيك في المعلومات المعروضه بالمقال ؟
مفيدة

7

غير مفيدة

3

تفاصيل الكاتب
author
omnia
أمنية عزمي

كاتبة محتوى طبي خبرة 6 سنوات، لديها شغف في الكتابة بالمجال الطبي، خصوصا الطب النفسي، تُحب مساعدة الاخرين وتقديم الدعم لهم.

جميع المعلومات التي يذكرها كتابنا بالموقع تهدف الى التوعية وتقديم الدعم والمساعدة لذوي الإضطرابات النفسية والعقلية كنصائح وارشادات، ولا تُغني عن استشارة الطبيب، ونحذر من تناول أي دواء يتم ذكره بدون الرجوع الى الطبيب المختص.

أكتب تعليقا