اضطراب هوس نتف الشعر (Trichotillomania): دليل شامل

بواسطة: omnia - تم مراجعته طبياً: احمد الراجي

فتاة تُعاني من هوس نتف الشعر
نظرة عامة

اضطراب هوس نتف الشعر (Trichotillomania) لا يعد سلوك اعتيادي أو استجابة لحالة من الملل، بل يصنف ضمن الاضطرابات النفسية المرتبطة بالتحكم في الاندفاع، حيث يعيش المصاب صراعًا داخليًا بين الرغبة في نتف الشعر وبين الشعور بالذنب الناتج عن هذا الفعل. وغالبًا ما تبدأ الحالة بسلوك يبدو عفويًا كأن تجلس الفتاة في هدوء ثم تمتد يدها لتنتزع شعرة من رأسها، يتكرر الأمر حتى يظهر فراغ واضح في فروة الرأس، ما يدفعها إلى إخفائه بالخجل. وقد أوضحت الدكتورة ريهام القاسم أن هذا الاضطراب يجمع بين القلق، والتوتر، والاندفاع، ويؤثر على جودة الحياة النفسية والاجتماعية للمصابين به. كما أعلنت الدراسات أن اضطراب نتف الشعر ما بين 0.5% إلى 3.2% من السكان عالميًا، ويعد أكثر شيوعًا بين الإناث خاصة في مرحلة المراهقة، حيث ترتفع نسبته إلى 15 ضعفًا مقارنة بالذكور.

🧠 📊التعريف ومدى الانتشار

اضطراب هوس نتف الشعر (Trichotillomania) هو اضطراب نفسي سلوكي قهري، يصنف ضمن اضطرابات السيطرة على الدوافع وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية DSM-5، كما يتميز بسلوك متكرر لا إرادي يدفع المصاب إلى نتف شعر الرأس، أو الحاجبين، أو الرموش، أو أي منطقة أخرى من الجسم، بشكل يصعب التحكم فيه.

🧠 التعريف العلمي
يتميز اضطراب هوس نتف الشعر "التريكوتيلومانيا" بسحب الشعر المتكرر، مما يؤدي إلى تساقط الشعر، إلى جانب محاولات متكررة فاشلة لتقليل أو إيقاف السلوك، والتسبب في ضيق أو ضعف سريري مهم في مجالات اجتماعية أو مهنية أو أخرى مهمة من الوظائف.
المصدر:  المكتبة المركزية للمقالات الطبية (PubMed Central – PMC)

 ويشبه هذا الاضطراب الوسواس القهري من حيث الشعور بالتوتر قبل القيام بالفعل، والراحة المؤقتة التي تلي عملية النتف، مما يدخل الفرد في دائرة من القلق، والاندفاع، والتكرار، يقدر انتشار اضطراب هوس نتف الشعر عالميًا بين 0.5% و2% من السكان، مع بعض الدراسات التي ترفع النسبة إلى 3.2%، ويرجح أن تكون الأرقام الفعلية أعلى بسبب نقص الإبلاغ والوصمة الاجتماعية.
يبدأ الاضطراب غالبًا في مرحلة ما قبل المراهقة، بمتوسط عمر يتراوح بين 9 و13 عامًا، ويظهر توزيعًا متساويًا بين الجنسين في الطفولة، لكنه يصبح أكثر شيوعًا بين الإناث في المراهقة والبلوغ، حيث تتراوح نسب الإصابة بين 9:1 و15:1 مقارنة بالذكور مع وجود تفاوت في التقديرات حسب المرحلة والفئة في الدراسات الجامعية.
ظهرت نسب انتشار متفاوتة إذ بلغت أقل من 1% عند استخدام معايير صارمة، بينما ارتفعت إلى 3.4% لدى الإناث و1.5% لدى الذكور في ظروف تقييم أوسع، مما يعكس أن الاضطراب أكثر شيوعًا مما تشير إليه الإحصائيات الرسمية.

🧬 رحلة داخل عقل المريض

داخل عقل المصاب بمرض اضطراب هوس نتف الشعر لا يكون الفعل حركة عشوائية، بل استجابة قهرية لصوت داخلي يلح عليه بأن النتف حيث يمنحه راحة مؤقتة، يبدأ التوتر في التصاعد.
 ويأتي النتف كوسيلة لاواعية لتفريغه، لكن ما إن تنتهي اللحظة حتى يتسلل الشعور بالذنب، ويغمره الخجل، لتبدأ دورة جديدة من القلق والاندفاع.
 ومع تكرار السلوك يعيد الدماغ برمجة هذا الفعل كمصدر للراحة، إذ يفرز بعده الدوبامين بكميات صغيرة، تمنح تهدئة مؤقتة، لكنها ترسخ العادة وتزيد من صعوبة كسرها.

ملحوظة

وتقول الدكتورة رحاب حسنين اليد التي تنتف الشعر لا تسعى لإحداث الألم، بل تبحث عن لحظة هدوء نفسي مؤقت، حيث يستخدم هذا السلوك القهري كوسيلة لاواعية لتخفيف التوتر أو تهدئة القلق الداخلي.

👁️ كيف يرى المريض نفسه والآخرين؟

يعاني المصاب بمرض اضطراب هوس نتف الشعر من صراع داخلي يؤثر على رؤيته لذاته وتفاعله مع من حوله، فهو لا يرى نفسه كما يراه الآخرون، ولا يدرك الآخرون حقيقة ما يمر به من معاناة نفسية خفية:



 

رؤية المصاب لنفسه

تنعكس مشاعره الداخلية في صورة توتر، وعجز، وندم، يصعب التعبير عنها:

  • يشعر بتوتر متصاعد قبل نتف الشعر، ويقوم بالسلوك لتخفيف هذا التوتر، مما يمنحه راحة مؤقتة أو شعورًا بالرضا.
  • يدرك أن ما يفعله يضره، لكنه يعجز عن مقاومة الرغبة الملحة، ويحاول دون جدوى التوقف.
  • بعد زوال الراحة، تظهر مشاعر الذنب، والعار، والإحراج، مما يؤثر على احترامه لذاته.
  • أحيانًا لا يكون واعيًا تمامًا بما يفعل، خاصة إذا كان السلوك تلقائيًا، مما يزيد من قلقه.
 

رؤية الآخرين للمصاب

تتحول نظرات الناس إلى مصدر تهديد نفسي، يدفعه للانسحاب والخجل:

  • يخشى نظرات الآخرين، ويظن أنهم سيحكمون عليه أو يسخرون من مظهره المختلف.
  • يتجنب التفاعل الاجتماعي خوفًا من الانكشاف، وقد يستخدم وسائل لإخفاء آثار النتف مثل القبعات أو الشعر المستعار.
  • يقلقه أن يكتشف الآخرون سلوكه، مما يزيد من شعوره بالإحراج والضيق النفسي.

اضطراب هوس نتف الشعر

بارقة أمل

رغم إدراك المصاب بهوس نتف الشعر أن سلوكه مؤذي وغير مرغوب، إلا أنه غالبًا ما يعجز عن إيقافه، إذ لا ينبع السلوك من رغبة في النتف بحد ذاته، بل من اندفاع قهري يصعب التحكم فيه، وهو ما أكدته دراسات حديثة تشير إلى أن المصابين يعانون من خلل في آليات تنظيم الدوافع والانفعالات، مما يجعل التوقف عن السلوك تحديًا يتجاوز الإرادة الشخصية.

⚙️ الأسباب والعوامل المؤدية للإصابة

يرتبط اضطراب هوس نتف الشعر بمجموعة من العوامل البيولوجية والنفسية والبيئية والوراثية، تتداخل فيما بينها لتشكّل نمطًا معقّدًا من الاستجابة القهرية، والجدول يوضح أهم الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى نتف الشعر:

  • عوامل بيولوجية،  تشمل خللا في كيمياء الدماغ، خاصة في مستويات السيروتونين والدوبامين، إلى جانب نشاط مفرط في الدوائر العصبية المرتبطة بتكوين العادات والسلوكيات التكرارية.
  • عوامل نفسية، مثل القلق المزمن، الاكتئاب، واضطراب الوسواس القهري، بالإضافة إلى مشاعر الوحدة، والرفض، والتوتر العاطفي، التي قد تدفع المصاب إلى استخدام النتف كوسيلة للتهدئة.
  • عوامل بيئية، تتضمن التعرض المستمر للضغوط الدراسية أو الأسرية، إلى جانب الإهمال أو غياب الدعم النفسي في مراحل الطفولة المبكرة، مما يزيد من قابلية الفرد لتبني سلوكيات قهرية.
  • عوامل وراثية، تشير الدراسات إلى وجود ارتباط بين اضطراب نتف الشعر وتاريخ عائلي في اضطرابات القلق أو السلوك القهري، مما يعزز احتمالية انتقال الاستعداد الوراثي بين أفراد الأسرة.

header banner

بسرية تامة إحجز برنامج علاج الإكتئاب بدون دواء لتستعيد حياتك من جديد

أُكتب لنا حكايتك مع الإكتئاب والأعراض التي تُعاني منها

⚠️ الأعراض والعلامات المميزة

تتنوع مظاهر اضطراب هوس نتف الشعر بين سلوكيات جسدية ومشاعر نفسية، تظهر بشكل متكرر وتؤثر على حياة المصاب:

  • نتف الشعر بشكل متكرر من مناطق مثل الرأس، الحواجب، أو الرموش.
  • الشعور براحة مؤقتة بعد الفعل، يتبعها ندم أو تأنيب شديد.
  • ظهور فراغات واضحة في فروة الرأس أو الحواجب نتيجة النتف المستمر.
  • محاولة إخفاء المناطق الخالية باستخدام أدوات أو تسريحات معينة.
  • الشعور بالقلق أو التوتر قبل القيام بالسلوك القهري.

🩺 رأي الطبيب النفسي

توضح الدكتورة رحاب حسنين أستاذة الطب النفسي أن اضطراب نتف الشعر يعد استجابة عصبية لا إرادية يلجأ إليها الدماغ لتفريغ التوتر، وهي آلية بدائية يمكن تعديلها من خلال العلاج السلوكي والمعرفي.
كما تؤكد الدكتورة رشا السعيد استشارية الطب النفسي أن الشفاء من هذا الاضطراب ممكن جدًا، خاصة عندما يدرك المريض أن ما يقوم به ليس خطأ أخلاقيًا، بل عرض نفسي يمكن التحكم فيه بالتدريب والدعم المناسب.

💭 تجربة المريض من الداخل

كنت أنتف شعري دون أن أنتبه، خاصة في لحظات التوتر وكنت أخفي الفراغات بالكاب أو الطرحة، ثم أبكي حين أنظر إلى شكلي الآن، بدأت أتعلم كيف أتحكم في نفسي من خلال العلاج، وكل شعرة جديدة تنبت أشعر أنها علامة على الأمل والتعافي.
ومن هنا يأتي رأي الدكتور ريهام القاسم، حيث تظهر هذه التجربة بوضوح كيف يتحول اضطراب نتف الشعر من سلوك لا إرادي إلى مصدر ألم نفسي يومي، لكن ما يبعث على الأمل هو إدراك المريض لسلوكه وسعيه للتغيير.
 العلاج هنا لا يقتصر على كبح الفعل، بل يشمل إعادة بناء العلاقة بين المريض وجسده، وتعزيز الشعور بالتحكم والقبول الذاتي، فكل شعرة تنبت من جديد ليست علامة جسدية، بل خطوة نحو التعافي النفسي.

مريض تم شفاءه من هوس نتف الشعر

قد تتساءل الآن عن :-

قصص حالات شفيت من نتف الشعر

💊 العلاج باختصار

يرتكز علاج اضطراب نتف الشعر على الدمج بين العلاج السلوكي المعرفي والعلاج الدوائي، وفقًا لحالة المصاب واحتياجاته النفسية:

1. العلاج السلوكي 

يساعد على تعديل السلوك القهري وزيادة الوعي بالمحفزات الداخلية والخارجية:

  • عكس العادة، تدريب المريض على التعرف إلى المواقف التي تثير الرغبة في النتف، واستبدالها بسلوكيات بديلة أكثر أمانًا.

  • تدخلات عملية، مثل قص الشعر قصيرًا، ارتداء قفازات، أو استخدام أدوات لتشتيت اليد كالألعاب المطاطية.
  • تقنيات الاسترخاء، ممارسة التأمل، التنفس العميق، والأنشطة المهدئة لتقليل التوتر.
  • الدعم الاجتماعي، تلقي التشجيع من الأسرة والأصدقاء يعزز الالتزام بالخطة العلاجية.

2. العلاج الدوائي 

يستخدم في الحالات المصاحبة لأعراض القلق أو الاكتئاب:

  • مضادات الاكتئاب، مثل SSRIs أو الكلوميبرامين، وقد تفيد في تقليل الاندفاع القهري.
  • أدوية مساعدة، مثل N-acetylcysteine أو الميمانتين، التي أظهرت نتائج واعدة في تخفيف الرغبة في النتف.
  • إشراف طبي، يجب أن يتم وصف الأدوية ومتابعتها من قبل طبيب مختص لضمان الفعالية والسلامة.

 

💬 التعامل مع المريض أو الاضطراب

يتطلب التعامل مع المصاب بهوس نتف الشعر قدرًا عاليًا من التفهّم والدعم النفسي، والسلوك القهري لا ينبع من ضعف الإرادة، بل من اضطراب عصبي يحتاج إلى احتواء لا إلى لوم. إليك أبرز المبادئ التي تساعد في تقديم دعم فعال:

  • تجنب التوبيخ المباشر، لا تقل له "توقف عن ذلك"، فهذه العبارة قد تزيد شعوره بالذنب والعجز بدلًا من ذلك، ساعده على فهم ما يثير توتره، وناقش معه المشاعر التي تسبق السلوك.
  • احترام مشاعره وعدم إشعاره بالخجل، لا تشعره بأن ما يفعله مُخجل أو غير طبيعي، بل أكّد له أن ما يمر به هو اضطراب قابل للعلاج، وأنه ليس وحده في هذه المعاناة.
  • ملاحظة المحفزات ومساعدته على تجنبها، راقب المواقف أو الأنشطة التي تسبق سلوك النتف، وساعده على تعديل بيئته أو روتينه لتقليل هذه المحفزات، مثل تقليل التوتر أو تغيير مكان الجلوس.
  • تعزيز السلوك الإيجابي، امدحه عند أي تحسن، حتى لو كان بسيطًا، فالكلمات المشجعة تعزز ثقته بنفسه و تدفعه للاستمرار في العلاج، مثل قل له "أحسنت، هذا تقدم رائع".

همسة طبية

ينمو الشعر من جديد بمرور الوقت، لكن استعادة الشعور بالأمان الداخلي تتطلب فهمًا عميقًا ودعمًا نفسيًا حقيقيًا؛ التعافي لا يقتصر على المظهر، بل يبدأ من الداخل.

🚨 مضاعفات الاضطراب إن لم يُعالج

عدم علاج اضطراب هوس نتف الشعر يؤدي إلى تفاقم الحالة النفسية والجسدية، ويؤثر سلبًا على جودة حياة المصاب:

  • تدهور المظهر الخارجي ظهور فراغات واضحة في فروة الرأس أو الحواجب أو الرموش، مما يسبب إحراجًا شديدًا.
  • انخفاض احترام الذات الشعور المستمر بالذنب والخجل، يؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس والعزلة الاجتماعية.
  • مُشكلات صحية، في حالات تناول الشعر (Trichophagia)، تتكون كتل شعرية في الجهاز الهضمي تستدعي إلى التدخل الطبي.
  • اضطرابات نفسية مصاحبة، مثل الاكتئاب، القلق، أو اضطراب الوسواس القهري، والتي قد تتفاقم مع الوقت.
  • تأثيرات اجتماعية وسلوكية، تجنب الأنشطة الاجتماعية، وصعوبة تكوين علاقات مستقرة بسبب الخوف من نظرة الآخرين.

هل يمكن أن يزداد الضرر عند إهمال علاج هوس نتف الشعر؟

نعم، إهمال علاج هوس نتف الشعر قد يؤدي إلى تساقط واضح للشعر وتهيّج الجلد، كما يسبب قلقًا مستمرًا يؤثر على الصحة النفسية والاجتماعية للمصاب.

الخاتمة

اضطراب هوس نتف الشعر (Trichotillomania) ليس عادة سيئة، بل حالة نفسية تحتاج إلى فهم ودعم وعلاج متخصص، ومع التوعية والعلاج المناسب، يمكن للمصابين استعادة السيطرة على سلوكهم والمضي نحو التعافي بثقة وأمل.

ما رأيك في المعلومات المعروضه بالمقال ؟
مفيدة

14

غير مفيدة

0

تفاصيل الكاتب
author
omnia
أمنية عزمي

كاتبة محتوى طبي خبرة 6 سنوات، لديها شغف في الكتابة بالمجال الطبي، خصوصا الطب النفسي، تُحب مساعدة الاخرين وتقديم الدعم لهم.

جميع المعلومات التي يذكرها كتابنا بالموقع تهدف الى التوعية وتقديم الدعم والمساعدة لذوي الإضطرابات النفسية والعقلية كنصائح وارشادات، ولا تُغني عن استشارة الطبيب، ونحذر من تناول أي دواء يتم ذكره بدون الرجوع الى الطبيب المختص.

📚 المصادر العلمية الموثوقة

أكتب تعليقا